للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب انتحاره, واهتم الطبيب بالميت ليعرف علة موته, وجلست بجانبه جلسة الكئيب المحزون أفكر في مصيبته وأندب شبابه وجماله, فلمحت حول السرير أوراقا منثورة فجمعتها, ووضعتها في محفظتي من حيث لا يشعر الضابط ولا الطبيب.

قرر الطبيب أنه منتحر بشرب سائل سام, وقرر الضابط نقل جثته إلى المستشفى, فنقلت وانفض الجمع المزدحم ثم لم أعد أعلم بعد ذلك من أمره شيئا.

خلوت بنفسي والأوراق فنثرتها فرأيتها مجموعة خواطر عاشق تناول كأس الحب بيده, فارتشف منها الجرعة الأولى فوجدها حلوة المذاق, فاستمر في شأنه يشرب ولا يرفع الكأس عن فمه فلم يشعر بالمرارة المتجددة في الجرعات الأخرى حتى أتى على آخر جرعة, فإذا هي السم الناقع الذي قتله وذهب بحياته.

قرأت تلك المفكرات فبكيت بكاء رحمت نفسي منه, ثم طويتها وألقيت بها في بطون الأعوام وبين ودائع الأيام.

وبينا أنا أقلب أوراقي ليلة أمس إذ عثرت بها في ملف صغير قد اصفر لونه لتقادم العهد عليه كما يصفر الكفن حول الجثة البالية, فشعرت برعدة تتمشى في أعضائي حينما تخليت أنها في هذا السفط شبح كاتبها في ذلك القبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>