الماضية من أن العرض إناء إذا ألم به القذى لا يغسله إلا الدم المسفوح، وكثيرا ما أوردت العقائد النفوس موارد الحتوف.
قرأت حوادث عشاق الموتى الذين يتسللون تحت ستار الليل إلى المقابر فينبشونها عن رفات الفتيات المقبورات، شوقا إلى لثمة من خد يرشح صديده، أو رشفة من ثغر يتناثر دوده، حتى إنه ليروقهم من منظر الساكنات تحت الرجام، فوق ما يروقهم من منظر المقصورات في الخيام، وقرأت أن الحكومة طاردتهم عن أمنيتهم، وحالت بينهم وبين مواطن غرامهم ومعاهد عشقهم وهيامهم، فأرادوا أن يحتالوا على الإلمام بأولئك الموتى خيالا لما فاتهم الإلمام بهم حقيقة, فأنشئوا لأنفسهم تحت الأرض قاعة كبرى كسوا حيطانها بالأستار السوداء ووضعوا في وسطها صندوقا من صناديق الموتى تنام فيه فتاة حية تتصنع الموت باصفرار لونها، وإسبال جفونها، وسكون أعضائها، وتعليق أنفاسها، فإذا لج بأحدهم الشوق إلى قضاء حاجة من فتاة ميتة نزل إلى تلك القاعة السوداء وعالج مخيلته على أن يتصورها قبرا مظلما موحشا يضم بين أقطاره فتاة ميتة لا حراك بها, فيلم بها وهو يسمع نغمات الأحزان من قيثارة أعدت وراء القاعة لتجسيم ذلك الخيال.