للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما وقد أصبح الدواء داء, فلا أمل في الشفاء:

لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري

ذلك مثلنا ومثل آبائنا من قبلنا بين يدي هذه المدنية الجديدة التي همى سيلها على هذا العالم الإنساني, فرأى الغرب تربة طيبة صالحة فسقاها فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ورأى الشرق تربة صامتة متحجرة قد نجم فيها كثير من الأعشاب الضعيفة والجذور الفاسدة، فأما ما تحجر منها فلم تغن عنه السقيا شيئا، وأما ما اخضر وترعرع فقد نما فاسدا كأصله، وكان خيرا له لو ذهب ذلك الفيضان به وبجذوره.

أي: إن المدنية الحديثة تمشت في صدر الغرب بقدم متثاقلة فما خفق لها قلبه ولا اضطرب، ثم وضعت يدها في أيدي الغربيين فصعدت بهم إلى سمائها خطوة خطوة كما يعود الطفل الصغير على المشي, وما أعجلتهم عن أمرهم كما أعجلتنا, فبلغوا ما أرادوا وهوينا إلى أعمق مما كنا كالحجر الثقيل يرمى به في الجو, فإذا ارتد ارتد إلى حفرة يدفن نفسه فيها.

أي: إن الغربيين أحسوا فنهضوا فجدوا, فأثروا فتمتعوا بثمرات أعمالهم، ونحن أغفلنا جميع هذه المقدمات ووثبنا إلى الغابة وثبا فسقطنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>