أنني أخطأت الطريق إلى المرقص, وأنني بين يدي دار من دور الحكومة يحرسها حاجبها لولا أنني لم أر في وجوه الداخلين ذلك الخوف والاضطراب والذل والانكسار الذي اعتدت أن أراه في وجوه الشاكين والمتظلمين.
ووقفت ساعة أتردد بين الإقدام والإحجام حتى لمس كتفي لامس فالتفت ورائي, فإذا صديق من أصدقائي يسألني: ما وقوفك ههنا؟ فقلت له ما قاله أبو العيناء لصاحبه حينما سأله عن سبب بكوره:"أراك تشاركني في الفعل وتفردني بالعجب"، قال: أنا أفتش عن ابن عمي، قلت: وأنا أفتش عنك، فابتسم ابتسامة المتهكم وقال: هيا بنا ندخل قبل أن تمتد سلسلة التفتيش إلى حيث لا تنتهي حلقاتها، وأمسك بيدي حتى جاز بي باب المرقص فسألته: ما هذا الجندي الواقف أمام الباب؟ قال: كيف ذهب عليك أن حكومتنا قد أصبحت اليوم حكومة مدنية مادية، لا أدبية ولا دينية، فتساوت في نظرها "المصالح" والمراقص, واختلط عليها الأمر بين مواقف القضاء ومعاهد البغاء، فأصبح الجندي يحمي أبواب العاهرات كما يحمي أبواب النظارات، ويقف أمام البارات موقفه أمام الإدارات؟!
وإن العين لا تكاد تملك مدامعها سحا وتذرافا كلما أبصرت