للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لسانه من فصيح القول وصحيحه ما يعيا على جهد المتكلفين، وتزويق المزورين١، وقلت في نفسي: ما لهذا الرجل بد من شأت وفتحت الباب فإذا شيخ كنتيّ٢ من حملة أعباء الدهر, قصير القامة ناحل الجسم زري الهيئة قد نيف على الثمانين من عمره, فخيل إلي أن ظهره المحدودب قوس وأن عصاه التي يعتمد عليها وتر قد شد إلى تلك القوس, وأنه قد أعد من هذه وتلك سلاحا يذود به عن نفسه عادية المنون٣، فلما شعر بمكاني رفع رأسه إلي ورماني بنظرة خلت أنها نفذت إلى موضع الأسرار من قلبي وأحاطت بما بين قمة رأسي وأخمص قدمي, فرأيت وجها أسمر اللون قد انتثرت في أكنافه حفائر الجدري٤ وأسارير


١ زور الشيء: حسنه وقومه.
٢ الرجل الكنتي: الكبير العمر, نسبة إلى قوله: كنت في شبابي كيت وكيت.
٣ وصف أبو العلاء نفسه في شيخوخته في إحدى رسائله بقوله: "وإني لأعجز إذا اضطجعت عن القعود فربما استعنت بإنسان فإذا هم بإعانتي وبسط يديه لنهضتي ضربت عظامي لأنهن عاريات عن كسوة كانت عليهن" وقوله في لزومياته:
يا نفس جسمك سربال له خطر ... وما يبدل في حال بسربال
قد أخلقته الليالي فاتركيه لقى ... فما يزيدك لبس المخلق البالي
٤ اعتل أبو العلاء في الرابعة من عمره بعلة الجدري فذهبت ببصره, وبقيت آثارها في وجهه بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>