للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السابحة في الماء، والأجواء المملوءة بالهواء، والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، فيمتلئ قلبه يقينا صافيا رائقا لا تعبث به المناظرات، ولا تشوه جماله المجادلات، ولا يحتاج بعده إلى متكلم يعلمه النظر، ولا فقيه يلقنه الجدل، فلا دليل على الله غيره، ولا هادي إليه سواه١.


١ كان أبو العلاء من أشد الناس بغضا للمناظرات الدينية؛ لاعتقاده أنها تورث الأحقاد والأضغان, فضلا عما تلقيه أحيانا من الشكوك في نفوس الضعفاء، وكان يكره من المتناظرين أن المنافسة وحب الغلب كثيرا ما يحملهم على الخروج عن الحق وإنكار البديهيات كما يظهر ذلك من مثل قوله:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت ... كتب التناظر لا المغني ولا العمد
قد بالغوا في كلام بان زخرفه ... يوهي العيون ولم تثبت له عمد
وما يزالون في شأم وفي يمن ... يستنبطون قياسا ما له أمد
فذرهم ودناياهم فقد شغلوا ... بها ويكفيك منها الواحد الصمد
وقوله:
ملل غدت فرقا وكل شريعة ... تهدي لمضمر غيرها إكفارها
وقوله:
علم الفتى النظار أن بصائرا ... عميت فكم يخفى اليقين وكم يعم
لو قال سيد غضا بعثت بملة ... من عند ربي قال بعضهم نعم
وقوله:
هذا الفتى أوقح من صخرة ... يبهت من ناظره حيث كان
ويدعي الإخلاص في دينه ... وهو عن الإلحاد في القول كان
يزعم أن العشر ما نصفه ... خمس وأن الجسم لا في مكان

<<  <  ج: ص:  >  >>