للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويضطرب، ويهب ويثب، حتى عثر بمرقاة علقت رجله بها ثم تلمس أخرى غيرها فما وجدها حتى بلغ منه الجهد أو كاد، فلم يصبر على الثانية صبره على الأولى فسقط فخاف الغرق, فعاد إلى تلمسه، فعاد إلى سقوطه، فلا هو بالغ رأس البئر فينجو من الموت، ولا هو بالغ قرارة الماء، فينجو من الشقاء.

ارم بطرفك حيث شئت من الناس, هل تبصر إلا صريعا صرعه أمله، أو قتيلا قتله رجاؤه، أو صديقا يشكو غدر صديق كان يعده لنوائب الدهر فأصبح عون النوائب عليه، أو باكيا يبكي وليدا كان يرجوه لمستقبل دهره ففجعته الأيام فيه، أو ساعيا دائبا وراء غاية يطلبها من الدهر فلا يقرب منها حتى يبتعد عنها، ولا يمسك بها حتى تفلت من يديه، أو ساهرا متململا لولا أمله أن تنيله الأيام ما يشتهيه من هواه ما بات ليله شاكيا باكيا، داعيا مناجيا، لا تراه إلا عين السماء، ولا تسمعه إلا أذن الجوزاء.

هذه حالتي، وذلك همي، وهذا ما وسوس لي أن أعتزل الناس جميعا وأفارق عشيرتي وصحبتي، ويراعي ومحبرتي، علني أجد في البعد عن مثارات الأماني ومباعث الآمال راحة اليأس، فاليأس خير دواء, لأمراض الرجاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>