للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما ليلة نابغية ضرير نجمها، حالك ظلامها، يبيت منها صاحبها على مثل روق الظبى خيفة وحذارا، فوق أرض تعزف جنانها١، وتحوم عقبانها، وتزأر سباعها، وتعوي ذئابها، وتحت سماء تتهاوى نجومها، وتتوالى رجومها، وتتراكم غيومها، بأسوأ في نفسه أثرا من رجاء كاذب يتردد بين جنبيه، تردد الغصة بين لحييه، لا هي نازلة فيطعمها، ولا صاعدة فيقذفها.

قد أصبحت أحسد الوحوش الهائمة على وجوهها في بطون الأودية، وقنن الجبال، أن أراها ساربة في مساربها، سارحة في مسارحها، تتناول رزقها رغدا من بوارق المصادفات، ومفاجآت المقادير، لا يعنيها الأسف على فائت من العيش، ولا يقلقها الطمع في آتٍ من الرزق، قد قنعت من الماء بالكدر، ومن العيش بالجشب٢، فتساوى لديها شحمها ولحمها، وشيحها وقيصومها، وسعدها ونحسها، ونعيمها وبؤسها، فما تحفل بنوازل القضاء، ولا رجوم السماء، ولا تبالي أسقطت على الموت أم سقط الموت عليها.

فمن لي بهذا العيش من عيش مَثَلي فيه كمثل رجل عثرت به قدمه, فسقط في جوف بئر بعيد غورها، ناءٍ مكانها، فما زال يتخبط


١ جمع جان.
٢ الجشب: الخشن من الطعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>