المجتمع وأحواله لاستطاع الناس أن يجمعوا بين الأخذ بأسباب دينهم والأخذ بأسباب دنياهم، ولم يزل جماعة اللغويين وعبدة الألفاظ والصور يتشددون في اللغة ويتحذلقون، ويتشبثون بالأساليب القديمة والتراكيب الوحشية ويغالون في محاكاتها واحتذائها، ويأبون على الناس إلا أن يجمدوا معهم حيث جمدوا، وينزلوا على حكمهم فيما أرادوا، ويحاسبون الكاتبين والناطقين حسابًا شديدًا على الكلمة الغريبة والمعنى المبتكر ويقيمون المناحات الشعواء على كل تشبيه لم تعرفه العرب وكل خيال لم يمر بأذهانهم حتى ملّهم الناس وملّوا اللغة معهم فتمردوا عليهم وخلعوا طاعتهم وطلبوا لأنفسهم الحرية اللغوية التامة في جميع مواقفهم وعلائقهم فسقطوا في اللغة العامية في أحاديثهم وشبه العامية في كتاباتهم، وكادت تنقطع الصلة بين الأمة ولغتها لولا أن تداركها الله برحمته فقيض لها هذا الفريق العامل المستنير من شعراء العصر وكتابه الذين عرفوا سر البيان وأدركوا أسلوبًا وسطًا معتدلًا جمعوا فيه بين المُحافظة على اللغة وأوضاعها وأساليبها وبين تمثيل روح العصر وتصوير أسرار الحياة، ولولاهم لبقيت اللغة في أيدي الجامدين فماتت، أو غلبت عليها العامية فاستحالت