للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال لي أحد المتكلفين في معرض الاعتذار عن نفسه وقد عتبت عليه في هذا المنهج الخشن الوعر الذي ينهجه في أسلوبه:

أنت تعلم أن الناس في هذا البلد قد ألفوا من طريق خطأ الحس أن ينظروا بعين الإجلال والإعظام إلى كل أسلوب شعري أو كتابي معقد غامض وأن تَفُهت معانيه وهانت أغراضه، وبعين الإزدراء والاحتقار إلى الأساليب السهلة البسيطة وأن اشتملت على أشرف الأغراض وأبرع المعاني، أي أنهم لا يرون السهولة والانسجام حتى يتوهموا التفاهة والسفولة ولا يرون الركاكة والمعاظلة حتى يظنوا الحذق والبراعة وسمو المعاني وشرفها، وهي حالة طبيعية في جميع النفوس البشرية أن تزدري المبذول لها وتستثنى قيمة الممنوع عنها، وليس هذا شأنهم مع أدباء العصر الحاضر فحسب بل مع أدباء كل عصر وجيل، فهم يسمون البُحتري وأبا نواس والشريف الرضي وأمثالهم شعراء الألفاظ، ويسمون المتنبي والمعري وابن الرومي وأشباهم شعراء المعاني، وليس بين الأولين والآخرين فرق في جودة المعاني وشرفها إلا أن الأولين أمطروها على الناس وبعثروها تحت أقدامهم فهانت عليهم، وضن لها الآخرون ووعروا سبيلها فعظمت في أعينهم وجلّت في صدورهم، قال ولقد عرضت السلعتين في سوق الأدب فكتبتُ أتفه المعاني

<<  <  ج: ص:  >  >>