للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والماهرين حتى ينتهى، فإذا فرغوا منه جلسوا في عَرصَاتهم المقفرة جلسة الباكي الحزين، صفُر الأكف، فارغي الجيوب، مطرقي الرءوس، لا حول لهم ولا حيلة، قد أضاعوا حياتهم وحياة آبائهم وأجدادهم، وهدموا في عام واحد أو عامين قرنًا كاملًا مجيدًا من أعلاه إلى أسفله، ولا يعلم إلا الله ماذا يكون شأنهم بعد ذلك.

ولو أن أباهم كان يرحمهم رحمة حقيقية ويشفق عليهم إشفاقًا صحيحًا لرحمهم من هذا المصير المحزن وضن بهم على هذا الميراث المشئوم.

يقولون: إن الفقر يدفع إلى الجرائم والقتل وارتكاب السرقات، وأنا أقول إننا إذا استطعنا أن نفهم الجريمة بمعناها الحقيقي وأن لا ننخدع بصور الألفاظ وألوانها فإن للأغنياء جرائم كجرائم الفقراء بل أشد منها خطرًا وأعظم هولًا، فإن كان بين الفقراء اللصوص والقتلة والعيارون وقاطعو الطريق، فبين الأغنياء المحتالون والمزورون والمغتصبون والخائنون والمداهنون والممالئون وأصحاب المعامل والشركات الذين يغذون أجسامهم بدماء عمالهم، والتجار الذين يسرقون من الأمة في شهر واحد باسم الحرية التجارية مالًا يسرقه منها جميع لصوص البلد وعياروه

<<  <  ج: ص:  >  >>