للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم ذهبت هذه البائسة المسكينة إلى جبل المُقطم في ساعتها الأخيرة؟ لعلها ظنت أن الصخر ألين قلبًا من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها، أو أن الوحش أقرب منه رحمة فجاءته تستمنحه فضلة طعامه، وأحسبُ لو أن الصخر فهم شكواها لأشكاها١ ولو أن الوحش ألم بسريرة نفسها لرثى لها وحنا عليها؛ لأني لا أعرف مخلوقًا على وجه الأرض يستطيع أن يملك نفسه ودموعه أمام مشهد الجوع وعذابه غير الإنسان.

ألم يلتق بها أحد في طريقها فيرى صفرة وجهها وترقرق مدامعها وذبول جسمها فيعلم أنها جائعة فيرحمها!

ألم يكن لها جار يسمع أنينها في جوف الليل ويرى غدوها ورواحها حائرة ملتاعة في طلب القوت فيكفيها أمره!

أأقفرت البلاد من الخبز والقوت فلا يوجد بين أفراد الأمة جميعها من أصحاب قصورها إلى سكان أكواخها رجل واحد يملك رغيفًا واحدًُا زائدًا عن حاجته فيتصدق به عليها!

اللهم لا هذا ولا ذاك، فالمال والحمد لله كثير والخبز أكثر منه ومواضع الخَلات والحاجات بادية مكشوفة يراها الراءون ويسمع صداها السامعون ولكن الأمة التي ألفت ألا تبذل


١ شكا إليه فأشكاه أي؛ أرضاه وقَبل شكواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>