"الظرفاء" في التحية والسلام واللقاء والفراق والزيارة والاستزارة والمجالسة والمنادمة وأمثال ذلك مما يرجع العلم به غالبًا إلى صغر النفس وإسفافها أكثر مما يرجع إلى أدبها وكمالها، فكان الناس لا يستنكرون من السيئة إلا لونها فإذا جاءتهم في ثوب غير ثوبها أنسوا بها وسكنوا إليها ولا يعجبهم من الحسنة إلا صورتها فإذا لم تأتهم من الصورة التي تعجبهم وتروقهم عافوها وزهدوا فيها، أي أنهم يفضلون اليد الناعمة التي تحمل خنجرًا على اليد الخشنة التي تحمل بدرة، ويؤثرون كاس البللور المملوءة سُمًّا على كاس الخزف المملوءة ماء زلالا ولقد سمعت بأذني من أخذ يعد لرجل من أصدقائه من السيئات ما لو وزع على الخلق جميعًا للوث صحائفهم ثم ختم كلامه بقوله: وإني على ذلك أحبه وأجله؛ لأنه رجل "ظريف" وأغرب من ذلك كله أنهم وضعوا قوانين أدبية للمغازلة والمعاقرة والمقامرة كأن جميع هذه الأشياء فضائل لا شك فيها وكانت الرذيلة وحدها هي الخروج عن تلك القوانين التي وضعت لها، وما عهدنا ببعيد بذلك القاضي المصري الذي أجمع الناس في مصر على احتقاره وازدرائه حينما علموا أنه تلاعب بأوراق اللعب في أحد أندية القمار وسموه لصًّا دنيئًا والقمار لصوصية من أساسه إلى ذروته.