أعرف في هذا البلد رجلين يجمعهما عمل واحد ومركز واحد، أحدهما خير الناس والآخر شر الناس، وإن كان الناس لا يرون رأي فيهما.
أما الأول فهو رجل قد أخذ نفسه منذ نشأته بمطالعة كتب الأخلاق والآداب ومزاولتها ليله ونهاره فقرأ فيها فصول الصدق والأمانة والعفة والزهد والسماحة والنجدة والمروءة والكرم وقصص السمحاء والأجواد والرحماء والمؤثرين وافتتن بتلك الفضائل افتتانًا شديدًا ثم دخل غمار المجتمع بعد ذلك وقد استقر في نفسه أن الناس قد عرفوا من الأدب مثل ما عرف وفهموا من معناه مثل ما فهم وأخذوا منه بمثل الذي أخذ فغضب في وجه الأشرار وابتسم في وجه الأخيار، والأولون أكثر عددًا وأعظم سلطة وجاهًا، فسمي عند الفريقين شرسًا متوحشًا، وامتدح إحسان المُحسن، وذم إساءة المُسيء، والمحسنون في الدنيا قليلون، فسُمي وقحًا بذيئًا حتى بين المُحسنين، وبذل معروفه للعاجز الخامل ومنعه القادرَ النابه فلم يشعر بمعروفه أحد، فسمي بخيلًا، واعتبر الناس بقيمهم الأدبية لا بمقاديرهم الدنيوية فلقي الأغنياء والأشراف بمثل ما يلقى به العامة والدهماء فسمي متكبرًا، وقال لمن جاءه