للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يساومه في ذمته إني أحبك ولكني أحب الحق أكثر منك فكثر أعداؤه وقل أصدقاؤه.

أما الثاني فأقل سيئاته أنه لا يفي بوعده يعده ولكنه يحسن الاعتذار عن إخلاف الوعود، فلا يسميه أحد مخلافًا، وما رآه الناس في يوم من يوم من أيامه عاطفًا على بائس أو منكوب ولكنه يبكى لمصاب البائسين والمنكوبين ويستبكى الناس لهم، فعُدَّ من الأجواد السمحاء، وكثيرًا ما أكل أموال اليتامى وأساء الوصاية عليهم ولكنه لا يزال يسمح رءوسهم ويحتضنهم إلى صدره في المجامع والمشاهد كأرحم الرحماء وأشفق المُشفقين، فسُمي الوصي الرحيم، ولا يفتأ ليله ونهاره ينال من أعراض الناس ويستنزل من أقدارهم إلا أنه يخلط جده بالهزل ومرارته بالحلاوة فلم يعرف الناس عنه شيئًا سوى أنه الماجن الظريف.

ذلك هو الأدب الذي أصبح في هذا العصور رأيًّا عامًّا يشترك فيه خاصة الناس وعامّتهم وعقلاؤهم وجهلاؤهم ويعلمه الوالدُ ولدَه والأستاذ تلميذه ويقتتل الناس اقتتالًا شديدًا على انتحاله والتجمل به كما يقتتلون على أعز الأشياء وأنفسها حتى تبدلت الصور وانعكست الحقائق وأصبح الرجل الصادق المُخلص أحرج الناس بصدقه وإخلاصه صدرًا وأضلهم بهما سبيلًا، لا يدرى أيكذب

<<  <  ج: ص:  >  >>