لقد مات كل ذلك بموتها فعاد لها رونقها وبهاؤها، وأصبحت كأنما قد خلقت الساعة ولما تنبعث الروح في جسدها.
بهذا الوجه الجميل المشرق كانت جالسة منذ أيام قلائل أمام المدفأة باسمةً مطمئنة تلاعب هرتها، وبهذا الفم الأرجواني القاني كانت تغني أمام قفص عصفورها أنشودة السعادة والحياة وبهاتين اليدين البيضاوين اللينتين كانت تقطف أزهار الربيع وتقدمها هدية إلى أبيها الشيخ.
أما اليوم فقد انقضى ذلك كله؛ لأن حياتها قد انقضت.
آخر كلمة نطقت بها قبل موتها:"سأموت الساعة فأتوني بعصفوري أودعه" فأتوها بقفص عصفورها وعلقوه بقائم سريرها فظلت تنظر إليه باسمة متطلقة، وظل العصفور يلعب ويغرد تغريدًا شجيًّا، وهو لا يعلم أنه ينشد فوق رأسها أنشودة الموت.
وهنا وقف الشيخ الذي تبناها بجانب فراشها واجمًا حزينًا مشرّد اللب ذاهل العقل ومد يده إلى يدها الضعيفة الواهية التي كانت بالأمس عكاز شيخوخته وسند حياته, فأخذها ووضعها على صدره كأنما يريد أن يمد حياتها بتلك البقية الباقية في قلبه من الحياة لتعيش من بعده ولو ساعة واحدة, حتى لا يراها تموت بين يديه، وظل على حالته تلك هنيهة ثم التفت فجأة إلى