للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصدقائه وقال لهم: ها هي الحرارة قد بدأت تدب في جسمها شيئًا فشيئًا، فنظروا إليه آسفين محزونين، ثم نكسوا أبصارهم وأسلبوا مدامعهم، فظل يريد بينهم عيونًا حائرة وينتقل بنظراته ههنا وههنا كأنما يسألهم المعونة على أمره، ومن ذا يعين على القدر أو يعترض سهم المنية القاتل دون رميته:

وما هي إلا لحظة قصيرة حتى شعر أن يدها تجذب يده فانتفض وحنا عليها فطوقته بذراعيها الضعيفتين وضمته ضمة كانت فيها نفسها.

إنا لله وإنا إليه راجعون: ماتت إيفون الصغيرة، ماتت الطفلة الوديعة الجميلة، ماتت الفتاة الرزينة الصابرة، في سبيل الله نجم تلألأ في سماء الحياة لحظة ثم هوى، وغصن أزهر في روض المنى ساعة ثم ذوى، وقدح من البلور لم تكد تلمسه الشفاه حتى انكسر، وعقد من اللؤلؤ لم ينتظم في سمطه حتى انتثر.

هذه الغرف التي طالما أنارتها بابتساماتها حتى في الساعة التي تختفي فيها جميع الابتسامات، والحديقة التي كانت تقضي فيها كل يوم بضع ساعات من ليلها أو نهارها تلاعب أطيارها وتقطف أزهارها وتتعهد أشجارها، والمماشي التي كانت تخطر على حصبائها فيصيرها شعاع خديها ياقوتًا ومرجانًا، قد خلت جميعها منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>