كانت إيفون جميلة الخلق طيبة النفس نقية الضمير تحب الأحياء جميعهم ناطقهم وصامتهم، فلا تبذل من ودها لهرتها المريضة أقل مما تبذل منه لأبيها الشيخ العجوز، ولا تتودد إلى الشيوخ الفانين أصدقاء أبيها وجلسائه أكثر مما تتودد إلى وافد غريب يهبط قريتها للمرة الأولى في حياته، وما علموها قط اختلفت مع فتى أو فتاة من تلاميذ مدرستها؛ لأنها كانت تستهوي الطيب منهم بلطفها وأدبها، والخبيث بعفوها وصفحها، وهي وإن لم تكن تعلم أنها لقيطة ولكن من كان ينظر في عينيها ويرى ذبولهما وانكسارهما ولمعانهما الذي يشبه لمعان الدمع الرقراق يخيل إليه أنها قد أُلهمت ما كتمه الناس عنها وإنها كانت تعلم أنها لا تعيش في بيت أبيها بوصاية جدها كما كانوا يقولون لها بل في بيت محسن كريم لا يعرف من تاريخها ولا من أمر ميلادها شيئًا، وكانت لا تزال تتراءى بين شفتيها ابتسامة حلوة هي الرقية التي كانت تفتح بها أقفال القلوب ثم تنزل فيما تشاء منها المنزلة التي تريدها، ولم تكن ابتسامتها ابتسامة التصنع والتكلف التي يرثها أكثر الفتيات عن أمهاتهن، بل ابتسامة الحب والاخلاص والحنو والعطف.
لذلك عجل الموت إليها؛ لأن سكان السماء لا يستطيعون أن