دقت أجراس الكنيسة تنعاها فلم تسمعها، ولو سمعتْها لاهتزت لها في سريرها شوقًا ولهفة كما كان شأنها في حيلتها، ثم جاءت ساعة الدفن فحملوها على أيديهم ومشوا بها حتى وصلوا إلى الكنيسة فوضعوا نعشها في ركن من أركانها ثم اجتمعوا حولها يودعونها الوداع الأخير، فبكاها الشيوخ الذين كانوا يحبونها ويأنسون بها والفتيان والفتيات من تلاميذ مدرستها، والنساء اللواتي كن يحببنها من أجل حبها أبناءهن، وبكاها أكثر من هؤلاء جميعًا ذلك الشيخ العجوز المسكين؛ لأنها كانت كل دنياه فخسرها في ساعة واحدة.
وظل كثير من الوقوف يرددن ذكراها فيقول أحدهم: طالما رأيتها في هذا الركن نفسه جالسة وحدها وبيدها الكتاب المقدس تتلو آياته، ويقول الآخر: لقد دخلت الكنيسة ليلة فرأيتها هائمة وحدها في الظلام الحالك تحت هذه الأقبية فعجبت لصلاحها وتقواها، وتقول امرأة: لقد عثرت ابنتي يومًا من الأيام في منصرفها من مدرستها ببعض الأحجار عثرة برحت بها فاحتملتها على ظهرها حتى جاءت بها إلى المنزل، وتقول أخرى لقد كنت أراها تمر كل يوم بجارتنا فلانة المسكينة فتعطيها رغيفًا