اللهم إنا نعلم أن الموت غاية كل حي، وأن مقاديرك التي تجريها بين عبادك ليست سهاما طائشة ولا نياقا عشواء، وأن زهرة الحياة لا يمكن أن تنبت إلا في التربة التي نبتت فيها أشواك الموت، ولكننا لا نستطيع أن نملك عيوننا من البكاء ولا قلوبنا من الجزع إذا فارقنا عزيز علينا؛ لأن ساحة الصبر التي منحتنا أضيق من أن تسع نازلة البلاء الذي ابتليتنا، فاغفر اللهم لنا حنيننا وبكاءنا على الهلكى والذاهبين.
اللهم إنك تعلم أنا نسير من حياتنا هذه في صحراء محرقة ملتهبة لا نجد فيها ظلا نستظل به ولا أكمة نأوي إليها, وأن الصديق الذي نعثر به في حياتنا هو بمنزلة الدوحة الخضراء التي ننتهي إليها في تلك الصحراء بعد الأين والكلال وطول السير والسرى, فنترامى في ظلالها الوارفة ناعمين هادئين، فإذا هبت ريح عاصفة على تلك الدوحة فاقتلعتها من جذورها وطارت بها في جو السماء, وأصبحنا من بعدها ضاحين بارزين, فإنا لا نجد بدا من البكاء والجزع؛ لأن من الشقاء ما لا يستطاع احتماله ولا يطاق تجرع كأسه.
لقد كان هذا الرجل العزاء الباقي لنا عن كل ذاهب، والنجم المتلألئ الذي كنا نتنوره من حين إلى حين في هذه السماء