للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظلمة المدلهمة المقفرة من الكواكب والنجوم، والدوحة الخضراء التي كنا نلوذ بظلالها من لفحات هذه الحياة وزفراتها، فنحن إن بكيناه فإنما نبكي الأمل الذاهب والسعادة الراحلة والحياة الطيبة، ومن هو أولى بالتفجع والبكاء من سعادتنا وآمالنا!

ما كنا نرجو لهذه الأمة غير هذين الرجلين؛ ميت الأمس الشيخ محمد عبده، وميت اليوم الشيخ علي يوسف، فقد كانا لها طودين شامخين رابضين على أكنافها، يمسكها الأول أن تزل بها مزالق المدنية الخالبة فيذهب دينها، ويمسكها الثاني أن تطير بها أحلام السياسة الكاذبة فتذهب جامعتها، واليوم لا نرجو لها من بعدهما أحدا، فويل للأمة في دينها، وويل لها في جامعتها.

العلماء والخطباء والكتاب في هذه الأمة كثير، ولكن الرجال قليل.

إنما ينفع الأمة ويضطلع بخطوبها ويحمل أعباءها على عاتقه الرجل الذي يشعر من نفسه بأنه ينزل منها منزلة رئيس الأسرة من أسرته التي يعلم أنه مأخوذ بالقيام عليها والسعي لها, فيقوم لها بكل ما تريد ويسعى لها سعي الكادح المجد, ويرحم صغيرها ويحنو على كبيرها, ويحتمل مغارمها ويغتفر عبث أطفالها وجهل شيوخها, ويرى لها في كل شأن من شئونها خيرا مما ترى لنفسها، أرضاها

<<  <  ج: ص:  >  >>