ذلك أم أغضبها، من حيث لا يمن عليها بذلك ولا يطلب عندها جزاء ولا أجرا، بل من حيث لا تعلم ما يلاقي بينه وبين نفسه من آلام الحياة, وما يعالج من شدائدها في سبيلها.
وكذلك كان شأن الشيخ علي يوسف في أمته، فقد مات بموته آخر من بقي لها من الرجال.
لقد كان الذين يعرفونه أقل من الذين يجهلونه؛ لأن الذين ينظرون ببصائرهم أقل من الذين ينظرون بأبصارهم، ولأن الحقيقة الكامنة في سويداء قلبه كانت أعمق مكانا وأدق مسلكا من أن تتناولها النظرة الأولى، ولأنه كان مخلصا متحنثا يعمل في سره أكثر مما يعمل في علانيته، ثم لا يدل بنفسه في كلتا الحالتين على نفسه.
رأيته في حادثة الأزهر في تلك الأيام التي كان يظن فيها كثير من الناس أنه حرب على الأزهر والأزهريين, يقضي كثيرا من لياليه مترددا على أبواب القائمين بالأمر, ضارعا إليهم أن ينيلوا هؤلاء القوم مطالبهم أو بعض ما يريدون, قائلا عنهم ما كان يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فئة حنين: $"اللهم إن تهلك هذه الفئة, فلن تعبد بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا" فلا يقف في سبيله إلا حماقة أولئك الذين كان يظن هؤلاء المساكين أنهم أصدقاؤهم, وهم أعدى أعدائهم.