ورأيته يضم إلى كنفه كثيرا من أصدقائه الذين نبا بهم الدهر بعد سقوط دولة عبد الحميد, وتنكر لهم الناس جميعا خصوصا أولئك الذين كانوا يزدلفون إليهم أيام إقبالهم, ويمسحون وجوههم على أعتاب قصورهم، وكان يلاقي في سبيل ذلك من عتب العاتبين عليه ولوم اللائمين له ما لا يستطاع احتماله، فلم يبال بشيء من ذلك.
ورأيت كثيرا من أعدائه الذين كانوا في بعض أيام حياتهم حربا عليه وشقاء له يعودون إلى حظيرته واحدا بعد واحد يستغفرونه فيجلس إليهم, ويتحدث معهم حديث المودة والإخاء كأنما كانوا معه على ميعاد.
وما رأيته في يوم من أيام حياته حاقدا ولا واجدا، ولا منتقما ولا طالبا بثأر ولا ذائدا عن نفسه إلا في الساعة التي يعلم فيها أن قد جد الجد, وأن قد أصبح عرضه وشرفه على خطر، ولم أر سائلا دخل إليه يشكو حاجة من الحاج صادقا كان فيها أم كاذبا, ويسأله المعونة عليها من ماله أو جاهه إلا أعانه عليها ما وجد إلى ذلك سبيلا، رحمة وإشفاقا، لا رياء ونفاقا، وكان يرى الرأي ويرى الناس جميعا غيره فلا يثنيه عنه ثانٍ حتى ينحدر ستر الغيب عن وجه المستقبل, فإذا هو مصيب وإذا الناس جميعا مخطئون.
ففي سبيل الله يا علي ما فقدنا بفقدك، وفي ذمة الله وجواره