للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الروح الطيبة الطاهرة التي عاشت ما عاشت في هذه الدنيا سرا كامنا بين أحناء ضلوعك, لا يدركه ولا يكتنه باطنها إلا قليل من الناس، فما رآها الناس جميعا رأي العين إلا وهي طائرة في جو السماء إلى ربها، وكذلك شأن هذه الأمة البائسة المحدودة لا ترى رجالها ولا تعرف مكانهم ولا تشعر بعظمتهم إلا وهم ذاهبون إلى قبورهم حيث تنقطع الصلة بينها وبينهم، فمثلنا ومثلهم كمثل صاحب الدار الذي يجهل أن في أرضها كنزا مخبوءا حتى إذا باعها ممن يستخرج ذلك الكنز منها جلس إلى ظل حائطها, يبكي بكاء البائس المحزون.

لقد كنت يا علي مِثل الحقيقة ينتفع الناس بوجودها ولا يفهمونها، بل كنت أفضل من الحقيقة؛ لأن الحقيقة يخدمها أعداؤها وأصدقاؤها، أما أنت فكنت تخدم أصدقاءك وأعداءك، أما الأولون فلأنك كنت تحسن إليهم بجاهك أو بمالك أو برأيك، وأما الآخرون فقد كانوا يقتاتون من تلك القطرات من الدماء التي كانوا يستقطرونها من عرضك وشرفك، فويل للفريقين معا من بعدك، وكنت القطب الذي تدور حوله رحى الأقلام في هذا البلد، فقد كانت وظيفة الكتاب أن يشرحوا آراءك أو يفسروا كلماتك أو يكتنهوا مقاصدك أو يوافقوك أو يخالفوك أو يمدحوك

<<  <  ج: ص:  >  >>