أن يتحدثوا بها في مجامعهم، ولا فرق بين فهمهم إياها وحديثهم عنها، أو الجبان المستطار الذي يخاف من الوهم ويفرق من رؤية الأشباح، ولو رجع إلى أناته ورويته لعلم أن النقد إن كان صوابا فقد دله على عيوب نفسه فاتقاها، أو خطأ فلا خوف على سمعته ومكانته منه؛ لأن الناس ليسوا عبيد الناقدين ولا أسراهم، يأمرونهم بالباطل فيذعنون، ويدعونهم إلى المحال فيتبعون، ولئن استطاع أحد أن يخدع أحدا في كل شيء فإنه لا يستطيع أن يخدعه في شعور نفسه بجمال الكلام أو قبحه، ولو أن الأصمعي وأبا عبيدة وأبا زيد والمبرد والجاحظ والقالي وقدامة وابن قتيبة والآمدي وأبا هلال والجرجاني بعثوا في هذا العصر من مراقدهم, وتكلفوا أن يذموا قصيدة يحبها الناس من شعر شوقي مثلا لما كرهوها، أو يمدحوا مقالة يستثقلها الناس من نثر "فلان" لما أحبوها، فالحقيقة موجودة ثابتة لا سبيل للباطل إليها، فهي تختفي حينا أو تتنكر أو تتراءى في ثوب غير ثوبها, ولكنها لا تنمحي ولا تزول.
فلتنطلق ألسنة الناقدين بما شاءت، ولتتسع لها صدور المنتقدين ما استطاعت، فقد حرمنا الحرية في كل شأن من شئون حياتنا فلا أقل من أن نتمتع بحرية النظر والتفكير.