كذلك لا يمنع الجاهل جهله من أن يكون رأيه في مثل هذا الموضع رأيا صائبا، لا بل ربما كان شعوره بحسن الكلام وقبحه -متى رزق حظا من سلامة الذوق واستقامة الفهم- أصح من رأي الأديب المتكلف الذي يتعمل النقد تعملا، ويتعمق التعمق كله في التفتيش عن حسنات الكلام وسيئاته حتى يضل عنها، ورب ابتسامة أو تقطيبة يمران بوجه السامع العامي عفوا أنفع للأديب حين يراهما وأعون له على معرفة مكان الحسنة والسيئة من كلامه من مجلد ضخم يكتبه عالم مضطلع بالأدب واللغة في نقد شعره أو نثره، وإذا كان من الواجب على كل شاعر أو كاتب أن ينظم أو يكتب للأمة جميعها خاصتها وعامتها, فلِمَ لا يكون من حق كل فرد من أفرادها متعلما كان أو جاهلا أن يدلي برأيه في استحسان ما يستحسن من كلامه, واستهجان ما يستهجن منه؟
وهل رفع العظماء من رجال الأدب إلى مواقف عظمتهم وسجل لهم أسماءهم في صحف المجد إلا منزلتهم التي نزلوها من نفوس السواد الأعظم من الأمة, والمكانة التي نالوها بين عامتها ودهمائها؟
وبعد, فلا يتبرم بالنقد ولا يضيق به ذرعا إلا الغبي الأبله الذي لا يبالي أن يفهم الناس سيئاته بينهم وبين أنفسهم، ويزعجه كل الإزعاج