للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن تنتقلوا بأنظاركم من الحاضر إلى الماضي وإن لم يكن ذلك من طبيعة الشباب ولا من طبيعته لعلمتم أن هذا العهد الذي يمر بكم اليوم والذي تفاخروننا به وتدلون علينا بأحلامه وأمانيه وتصوراته وخيالاته قد مر بنا مثله في زماننا، فقد كان لنا شباب مثل شبابكم نتصور فيه كما تتصورن، ونفكر كما تفكرون، ونردد في أنفسنا وأحاديثنا وكتاباتنا جميع هذه الآراء والأفكار التي ترددونها اليوم حتى انطوى ذلك العهد وزالت معالمه وهدأت على أثره تلك الثورة النفسية الهائلة التي كانت تعترك بين جوانحنا, ودخلنا غمار الحياة الحقيقية حياة الجد والعمل والنظر والتأمل والخبرة والتجربة, فاستطعنا أن نرجع إلى نفوسنا، ونثوب إلى شدنا, وأن نهبط بهدوء وسكون إلى أعماق قلوبنا ونستعرض تلك الآراء والأفكار والأحلام والآمال بإمعان وتدقيق, فاستطعنا أن نميز صالحها من فاسدها، وصادقها من كاذبها، ومعقولها من موهومها، وأن نقلب الأشياء على جميع وجوهها ونرى وجوه الحسن فيها ووجوه القبح ونوازن بين هذه وتلك، فأخذنا بما أربت حسناته على سيئاته، وأطرحنا ما زادت سيئاته على حسناته، فلا فضل لكم في الحقيقة في هذا الذي تزعمون أن لكم الفضل فيه وحدكم من دون الناس جميعا، إنما الفضل للشباب ومزاجه وطبيعته وحدته،

<<  <  ج: ص:  >  >>