ولا علاقة للعلم والجهل والذكاء والغباوة والتقدم والتأخر بشيء من ذلك، وللشباب خصائص كثيرة وصفات متعددة، وأخص صفاته: قصر النظر وسرعة الحكم والعجز عن إحكام الصلة بين أدوار الزمن الثلاثة: ماضيه وحاضره ومستقبله، فهو لا يستطيع أن يتصور تصورا ثابتا متينا أن الماضي أساس الحاضر ومنبع وجوده، لا يشرق إلا من مطلعه، ولا ينبت إلا في تربته، وأن المستقبل بيد الطبيعة القاسية وقوانينها الصارمة؛ وليس أقرب إليه من أن يتصور أن في استطاعته أن يمحو بيده في لحظة واحدة وجه الكون بأرضه وسمائه ثم يخلقه خلقا جديدا على الصورة التي يريدها ويتصورها، وأن في إمكانه أن يحيل التراب أمواها والأمواه ترابا, وأن يحجب بيده وجه الشمس فلا ينبعث لها شعاع إلا بإرادته, وأن يرغمها متى أراد أن تمزق حجاب الليل وتبرز في سمائه، ولا يزال يتخبط في أمثال هذه التصورات والأحلام التي لا فائدة فيها ولا نتيجة لها حتى تطلع عليه أول طليعة من طلائع الشيخوخة فتهدأ ثورته، وتفتر حدته، ثم لا يلبث أن يسقط جاثيا بين يدي القوة الإلهية والقوى الطبيعية, معترفا بعجزه وقصوره وفراغ يده من كل حول وقوة, هاتفا: إن للكون إلها لا أستطيع محادّته, وللطبيعة سنة لا أستطيع تبديلها.