للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طويلة لأنها لا نهاية لها، فلا نسمات الصباح الباردة، ولا تغريد الطيور الصادحة، ولا صياح الديكة، ولا رنين الأجراس، ولا هتاف الرعاة، يوقظهم من رقدتهم هذه.

أسفي عليهم, لقد أمسوا ولا نيران توقد في أكواخهم، ولا زوجات صالحات يذهبن يجئن في تهيئة طعام عشائهم، ولا صبية صغارا يستقبلونهم عند عودتهم ليقبلوهم ويستقبلوا قبلاتهم، أولئك الرقود الهامدون كانوا بالأمس أشداء أقوياء، تمد السنابل أعناقها خاضعة لمناجلهم، ويئن ظهر الأرض وبطنها تحت وطأة محاريثهم، وترتعد جذوع الأشجار الضخمة فرقا من ضربات فئوسهم.

أولئك الوجوم الصامتون كانوا بالأمس فرحين مستبشرين يرقصون ويغنون ويجدون السعادة في كل شيء يحيط بهم، فيطربون لوقع حوافر ماشيتهم على الحصباء كأنما يسمعون قيثارة مطربة، ويجدون في ضجعتهم فوق الأعشاب اليابسة الراحة التي يجدها أصحاب الأسرة فوق مهادهم الوثير، ويشعرون في تناولهم اللقمة الجافة السوداء بعد الجوع باللذة التي يشعر بها الأغنياء عند تناولهم ألوان الطعام الشهي حول موائدهم، ويغترفون بأكفهم الماء من الأنهر والخلجان فيتلذذون بارتشافه كأنما يتناولون صافية

<<  <  ج: ص:  >  >>