للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصهباء في كئوس البلور والذهب.

أولئك الخاملون المغمورون الذين لم تنصب لهم التماثيل، ولم ترفع فوق قبورهم القباب كانوا في حياتهم شرفاء عظماء؛ لأنهم كانوا متحابين متآخين، لا يحسد فقيرهم غنيهم ولا يبغي قويهم على ضعيفهم، ولا يحقدون ولا يغدرون، ولا يخافون شيئا حتى الموت ولا يعبدون إلها إلا الله.

كذلك كانوا بالأمس، واليوم طواهم الرمس، فرحمة الله عليهم يوم كانوا على ظهر الأرض وبعدما أصبحوا في بطنها.

فليجْثُ فوق رمال هذه القبور المبعثرة وبين صفائحها المتهدمة المتساقطة أرباب المطامع في الحياة وطلاب المجد والعظمة, خاشعين مستكينين خافضي رءوسهم إجلالا وإعظاما، وليمسكوا قليلا عن الإدلال بعزهم وجاههم والمكاثرة بفضتهم وذهبهم، وليخفوا في أعماق نفوسهم ابتسامات الهزء والسخرية المترقرقة على شفاههم، وليعلموا أن طريق المجد والعظمة التي يسيرون فيها وإن كانت مخضرة جميلة مفروشة بالأعشاب محفوفة بالأزهار الأريجة, فإنها تؤدي في نهايتها إلى هذا المصير الذي صار إليه هؤلاء المقبورون.

أيها الناعمون في عيشهم، المدلون بعزهم وجاههم، المفتخرون بقوتهم وجمالهم، لا تحتقروا هؤلاء المقبورين المساكين إن رأيتم

<<  <  ج: ص:  >  >>