بها, والزوجة تبكي زوجها وإن كان تحت كل نافذة من نوافذ منزلها خطيب يترقبها، وأن البائس المسكين الذي يعيش من دنياه في مثل جحر الضب ضنكا وبؤسا يضن بحياته الضن كله إذا أحس بفراقها وإن علم أنه سينتقل منها إلى جنة عرضها السموات والأرض، فهم في الحقيقة يسخرون من مصائب الناس وأرزائهم ويؤلمون نفوسهم فوق ألمها باحتقار أحزانهم وازدرائها وتصغير شأنها في أعينهم, ويلقون في نفوسهم اليأس من أن يجدوا بجانب قلوبهم قلوبا تحس بإحساسها, وتشعر بشعورها من حيث يظنون أنهم يخففون آلامهم ويأخذونهم بنسيانها.
وأعوذ بالله أن أكون يا بني من الكاذبين في تعزيتك أو الغاشين لك فيها، ولو أردت نفسي على ذلك لما استطعت، وكيف يستطيع أن يعزيك عن مصابك من لا يستطيع أن يعزي نفسه عن مصابه فيك، فلقد ترك كتابك هذا بين جنبي لوعة من الحزن, لا أحسب أنها دون لوعتك التي تعتلج بين جنبيك من الحزن على نفسك، حتى صرت كأني ابتليتُ بما ابتليتَ به وكأن الذي أصابك من البلاء قد أصابني من دونك، فلقد انقطع عنك بفقد سمعك أيها البائس المسكين كل ما كان بينك وبين