حياته كما وقف لغيره من قبله ومن بعده فريق المقاطعين في هذا البلد الذين لا ينطقون, ولا يسكتون عن مقاطعة الناطقين, فلبسوا ثوب الانتقاد ليشتموه، وكمنوا وراء أكمة الدين ليرموه فيصموه، وقالوا: إنه شوه وجه التاريخ الإسلامي وعبث بحقائقه، ولم يسألوه من أين نقل ولا كيف استند، بل سألوه لِمَ لم يكتب كما كتبوا، ويستنتج مثلما استنتجوا، كأنما لم يكفهم منه أن يروه بينهم مسيحيا متسامحا حتى أرادوا منه أن يكون مسلما متعصبا يكتب التاريخ بلسان الدين كما يكتبون، وينهج فيه كما ينهجون، فلما لم يجدوه حيث أرادوا رموه بسوء القصد في عمله وخبث النية في مذهبه ولم يستطيعوا أن يروضوا أنفسهم الجامحة على أن يقولوا: إن الرجل باحث مستنتج يخطئ مرة ويصيب أخرى، أو يقولوا: إن له في تاريخ الإسلام حسنات تصغر بجانبها سيئاته فيه فلنغتفر هذه لتلك، وما أحسب أن واحدا منهم يعتقد شيئا مما يقول، ولكنهم كانوا يرون أن الدين سلعة تباع وتشترى وأن سلعته ملك لهم ووقف عليهم, لا يجب أن تعرض في حانوت غير حانوتهم، وكانوا يظنون أن الرجل تاجر مثلهم يريد أن يفتح بجانب حانوتهم الحانوت التي يخافونها فاستوحشوا منه وأنكروا مكانه واستثقلوا ظله، وقالوا مرة: إنه مسيحي لا يؤمَن على الإسلام, ولا على تاريخه كأنما ظنوا