للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعقيدته الدينية مجالا للعبث بجوهر التاريخ وحقائقه، فكتب وهو المسيحي الأرثوذكسي تاريخ الإسلام في كتبه ورواياته كتابة العالم المحقق الذي لا يكتم الحسنة إذا رآها، ولا يشمت بالسيئة إذا عثر بها، فاجتمع بين يديه في مجلس علمه من أبناء الأمة الإسلامية, خواصها وعوامها عربها وعجمها جمع لم يجلس مثله بين يدي عالم من عالم الإسلام, ولا مؤرخ من مؤرخيه في هذا العصر، فأقام بهذا العمل العظيم لهذا الدين القويم حجته أمام أولئك المتعصبين من الأوروبيين الذين لا يثقون في خبر من أخباره ولا في بحث من أبحاثه بحديث شيعته وأبنائه، وكان في تسامحه هذا القدوة الصالحة للمؤرخ يتعلم منه كيف يكتب التاريخ بلسان التاريخ لا بلسان الدين والمثل الأعلى للعالم, يتعلم منه كيف يستطيع أن يتجرد من عواطفه وميول نفسه وخواطر قلبه أمام الأمانة للعلم, والوفاء بحقه.

وكان مستقيما في عمله أمينا في علائقه, لا يكذب ولا يتلون ولا يخيس بعهده ولا ينكث وعده, ولا يكسو بضاعته لونا غير لونها ليزخرفها على الناس ويجمّلها في عيونهم، فتعلم منه العاملون أن الكذب في المعاملة ليس شرطا من شروط الربح, ولا سببا من أسباب النجاح.

وكان واسع الصدر فسيح رقعة الحلم, وقف له في طريق

<<  <  ج: ص:  >  >>