فكان القدوة الحسنة بين فريق المستنيرين من المصريين، يتعلمون منه أن قليلا من العلم يتعهده صاحبه بالتربية والتنمية ثم يقوم على نشره وإذاعته بين الناس, أنفع له ولأمته من العلم الكثير والعمل القليل.
ولو شئت أن أقول لقلت: إن جرجي زيدان كان رئيس البعثة العلمية السورية التي وفدت إلى مصر في أواخر القرن الماضي, فغيرت وجه العالم المصري تغييرا كليا, وغرست في صحرائه القاحلة المجدبة أغراس الجد والعمل والشجاعة والإقدام والهمة والاستقلال، وعلمت أبناءه كيف يؤلفون ويترجمون وينشئون الجرائد والمجلات وكيف يتخذون من هذا العمل الشريف صناعة يقومون بها حياتهم المادية وحياة أمتهم الأدبية، ويتقون بها مذلة الوقوف على أبواب الدواوين صباح مساء يتكففون رؤساءها, ويسألونهم أن يتخذوهم عبيدا لهم يخدمونهم على موائد عزهم وسعادتهم التي يجلسون عليها، فإما عطفوا عليهم فألقوا إليهم بالنزر القليل الخسيس من فتات تلك الموائد, وإما طردوهم منها كما يطردون الكلاب الجرباء.
وكان شريف النفس بعيد الهمة, متجملا بصفات المؤرخ الحقيقي الذي لا يتعصب ولا يتحيز ولا يداهن ولا يجامل ولا يترك