وكذلك ظلت تعالج هذا المسكين بإخلاص لا تضمر مثله الأم لواحدها وتقوم على خدمته ليلها ونهارها, ما تهدأ ولا تفتر, ولكن الداء كان قد تمكن منه فلم يغن عنه العلاج شيئا، وما هي إلا أيام قلائل حتى حضره الموت فجلست بجانبه تعزيه وتواسيه وتلقي في نفسه أن الله قد غفر له جميع سيئاته في حياته بما كابد فيها من العلل والأسقام والهموم والآلام، وأن جوار الله في دار جزائه خير له من جوار هذه الحياة الباطلة الفانية, حتى أسلم روحه بين ذراعيها.
وفي صباح اليوم الثاني رآها الناس سائرة بهدوء وسكون في طريق الدير, وقد لبست مسوحها وسوادها وعلقت صليبها على صدرها حتى بلغته, ففُتح بين يديها بابه العظيم الذي لا يخرج منه داخله إلى الأبد فدخلته, وكان ذلك آخر عهدها بالعالم وما فيه.