إنها جميلة الأسلوب ولكنها تافهة المعنى مرذولته, لا تشتمل على أكثر من الوصف والتصوير, كأنهم لا يعلمون أن التصوير نفسه من أجمل المعاني وأبدعها، بل هو رأس المعاني وسيدها والغاية الأخيرة منها، وقد رسم الشاعر في كلمته هذه صورة واضحة ناطقة للحجيج في حلهم, ومرتحلهم يسمعها السامع بأذنه وكأنه يراها بعينيه، فقد أتى بأجمل المعاني في أجمل الأساليب.
وإن وصفا قصيرا لحركة صغيرة من حركات النفس كقول الشريف:
وتلفتتْ عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
لخير ألف مرة من قصيدة طويلة مملوءة بالمعاني الغريبة والخواطر المبتكرة التي لا تمثل الحقيقة, ولا تلتئم مع النفس ومزاجها كقصيدة المتنبي التي مطلعها:
"أيطمع في الخيمة العذل".
ويقولون أيضا عن هذا البيت:
أنى يكون أبا البرية آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمد
إنه قبيح اللفظ ولكنه جميل المعنى، وهم واهمون فيما يقولون؛ فإن ذلك المعنى الجميل الذي يتوهمونه ليس معنى هذا البيت، بل المعنى الذي خطر على أذهانهم وانبعث في أفئدتهم عند سماعه، فألصقوه به إلصاقا وتوهموه له توهما، أما البيت نفسه فلا معنى له