الناظر على ضوء ذلك المصباح الضئيل بضع شباك ومذاود معلقة بالجدران كأنها الأشباح الماثلة، ومنضدة عارية قد نُشرت فوقها بضعة أوانٍ نحاسية تلمع لمعانا ضعيفا في ذلك الحندس كأنها عيون الجنادب، فإذا دار الواقف بنظره حوله رأى حشية مطرحة على الأرض قد اضطجع فوقها ثلاثة أطفال متلاصقين آخذ بعضهم بأعناق بعض كما تتآخذ الأفراخ في أعشاشها، وكما يضم الخوف الضلوع إلى الضلوع، وعلى مقربة من فراشهم امرأة صفراء شاحبة جاثية على ركبتيها تصلي وتبتهل وتدعو الله تعالى بصوت خافت متهافت أن يرد لها زوجها سالما وكان قد خرج كعادته لصيد السمك من البحر, فلم يعد حتى الساعة.
وإنها لكذلك إذ هبت الزوبعة هبوبا عظيما, فاهتزت لها جوانب الكوخ اهتزازا شديدا وأنَّ لوقعها الأطفال في لفائف أغطيتهم فطار قلبها فزعا ورعبا، وخيل إليها أن هدير الأمواج ودمدمة الرعود وزفيف الرياح وقعقعة السقوف والجدران إنما هي نذر السوء تنذرها بمصير زوجها المسكين في أعماق ذلك الأوقياس العظيم، فظلت تردد بينها وبين نفسها: رب إني بائسة مسكينة لا سند لي ولا عضد، وإن هؤلاء الأطفال الصغار عاجزون لا يستطيعون أن يقوتوا أنفسهم, ولا أن يعتمدوا على