للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوت العاصفة وهدير الأمواج خفت عليك، أما الآن فقد زال كل شيء والحمد لله، ثم نظرت إليه وبين شفتيها كلمة تحاول أن تنطق بها فلا تستطيع، ثم استنصرت جلدها وقوتها وقالت: وشيء آخر أحزنني جدا، قال: وما هو؟ قالت: قد علمت الساعة قبل رجوعك بقليل أن جارتنا "جانت" توفيت, وأن ولديها الصغيرين قد أصبحا وحيدين في هذا العالم, لا عائل لهما.

فاضطرب عند سماع هذه الكلمة ونهض من مكانه وتمشى قليلا, ثم ألقى بقبعته المبللة بالماء على سريره وظل يعبث بشعر رأسه فيشده أحيانا, ويمسحه أخرى وهي تتبعه بنظراتها لتقرأ صورة نفسه على وجهه، ثم جلس على المنضدة الممتدة في وسط الكوخ وظل يقول بينه وبين نفسه بصوت ضعيف متهدج:

رب, إني وإن كنت رجلا جاهلا فدما وليس في استطاعتي أن أفهم حكمتك في حرمان هذين الولدين البائسين من أمهما, إلا أنني لا أستطيع أن أنكر وجودهما، ولعل الذين يعلمون أكثر مما أعلم يفهمون من شئونك وتصرفاتك أكثر مما أفهم.

نعم, إنني فقير مسكين, أعيش تحت رحمة المصادفات والاتفاقات, وربما مر علي وعلى أولادي عدة أيام لا نجد

<<  <  ج: ص:  >  >>