ثم وقفت عن الكلام فجأة؛ لأنها سمعت صرير الباب وهو يدور على عقبه فارتعدت ثم علمت أنها الريح, فأطرقت برأسها ساعة ذهبت فيها بتصوراتها وأفكارها كل مذهب, فبكت وضحكت، وغضبت ورضيت، وأمّلت ويئست، ورحمت وقست، وحمدت فعلتها وندمت عليها, وأحسنت الظن بزوجها وأساءته به، وظل فؤادها نهبا مقسما في يد الهموم والأفكار حتى شعرت بسواد يتقدم نحوها فاستطير قلبها خوفا ورعبا وانتبهت, فإذا زوجها داخل يحمل شبكته وأعواده على ظهره والماء يقطر منها, فنهضت إليه وعانقته ثم ألقت نظرها على وجهه فأنكرت شحوبه وتضعضعه كما أنكر ذلك من وجهها حين رآها, وسألته: كيف كان حظه الليلة؟ وماذا كان شأنه مع العاصفة؟ فألقى بشباكه وقصبه على الأرض وظل يقول: أما الليلة فكانت مزعجة جدا لم أر في حياتي مثلها، وأما الصيد فها هي يدي صفر منه كما ترين، ولولا رحمة الله بي وبكم لهلكت، وما أنا بآسف على شيء ما دمت أراكم بخير، كيف حال الولدين؟ فارتعشت وقالت: هما بخير، قال: ما لي أراك شاحبة صفراء؟ وكيف قضيت ليلتك؟ فأطرقت برأسها وقالت: قضيتها في خياطة قميصين للولدين، وكنت كلما سمعت