وقد أوشكت أن تملأ الفضاء نعيبا، فلم يكد يملك نفسه من البكاء على أمة ضربها الدهر بضرباته, ورماها وهي محلقة في سماء عزها ومجدها بسهم نفذ ما بين جنبيها فهوت من مدار الأجرام إلى مقر الرغام، تشكو فلا تجد مشتكى، وتستغيث فلا ترى مغيثا ولا معينا، فراعه من أمرها ما راعه وكاد ينقطع خيط الرجاء في قلبه لولا أن وهبه الله نفسا قوية وعزيمة ثابتة وجنانا لا تحوم حوله الأوهام ولا تأخذ منه نكبات الأيام، وأودع ما بين جنبيه قلبا مصوغا من الشفقة والرحمة، فنظر في حال هذه الأمة البائسة نظر العاقل البصير وتلمس موضع دائها وسبب سقوطها, فوجد أن داء أدوائها وعلة عللها إغفالها أمر دينها الذي عرفه سابقوها وعلقوا بحبله فكان سر ارتقائهم وتقدمهم وعلوهم فوق علياء الأكاسرة والقياصرة وامتداد فتوحاتهم في قليل من السنين إلى ما لم تمتد إليه يد من قبل، وأهملته هي فودعها مجدها وفارقها عزها ووصلت إلى حيث تضرب بذلتها الأمثال وحيث أصبحت أكلة الآكلين، ونهبة الطامعين، وعلم -حفظه الله- أنه إن صلح لها دينها صلح لها كل شيء من آخرتها وأولاها, فأخذ نفسه بالدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة, مخلصا لله في عمله مستعينا بحوله وقوته مصدقا وعده في قوله سبحانه وتعالى: