أن النغمة قد اختلفت، والتوقيع قد اضطرب، فذُعرت وارتعبت ورفعت رأسي فإذا أنا في "بيزنطية" وإذا الناس جميعا في كنيسة أيا صوفيا يتناقشون ويتجادلون جدالا شديدا في مسألة الطبيعة والطبيعتين, وأبواب المدينة تقعقع تحت ضربات معاول العدو, فلا يسمعون لها صوتا.
كنا جميعا وكان الشمل منتظما، وكان كل ما يعزينا عن بؤسنا وشقائنا منظر تلك الوحدة الجميلة التي كنا نشرف على روضتها الزاهرة الغناء من نوافذ سجننا فتهون علينا همومنا وآلامنا، ولم يكن منظر في العالم أجمل ولا أبدع من منظر تلك الدموع الرقراقة التي كانت تتلألأ في عيوننا جميعا؛ لأنها كانت في الحقيقة دموع السرور والاغتباط باتحادنا واتفاقنا, ووحدة كلمتنا وقوة جامعتنا.
لا تزال العاصفة تدوي وتعصف، ولا يزال البناء يضطرب ويهتز، فليت شعري هل يتماسك ويعود إلى سكونه واستقراره؟ أم قدر له السقوط كما قدر لأمثاله من البنى في عهود التاريخ الغابرة؟
ها هو ذا سعد يمسك البناء بيده أن يتداعى ويتهدم, ولكنه قد تعب جدا ونال منه الجهد والنصب لأن الحمل ثقيل, ولأن الهادمين من خصومه المصريين معتزون بالقوة الخارجية وقوتهم لا تفنى، فهل تستطيع الأمة أن تمد يدها إليه وتعينه على عمله الشاق؟