للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهدى الله أهل السنَّة للحقِّ الذي افترق فيه الفريقان، ففرَّقوا بين الفعل والمفعول، فقالوا: إن الشرَّ ليس فعلًا له يقوم به، وإنما يدخل في مفعولاته، فنزَّهوا الله عن فعل الشرِّ وعما يتنافى مع حكمته، وعظَّموه أن يقع في خلقه

ما لا يريد ويتنافى مع قدرته.

وهذا هو حقيقة التنزيه الذي دلَّت عليه النصوص، كقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان: ٣٠]؛ فقد أثبت تعالى لنفسه مشيئةً نافذةً في أعمال العباد مع العلم والحكمة، فإثباته للمشيئة النافذة ردٌّ على القدريَّة نفاة القدرة، وإثباته للعلم والحكمة ردٌّ على الجبريَّة نفاة الحكمة.

وكقول النَّبِيِّ في دعاء الكرب: «اللهمَّ إنِّي عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصِيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَّ حكمك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك … » (١)، ففيه ردٌّ على الطائفتين.

ففي قوله: «ماضٍ فِيَّ حكمُك»؛ ردٌّ على القدريَّة الذين ينكرون قدرته ومشيئته لأفعال العباد من الشرِّ والظلم وغيرهما.

وفي قوله: «عدلٌ فِيَّ قضاؤك»؛ ردٌّ على الجبريَّة الذين ينكرون حكمته وعدله في تدبير شؤون خلقه، وينسبون له الشرَّ والظلم.

قال الإمام ابن القيِّم: «ومَن تأمَّل كلام سلف الأمَّة وأئمَّة أهل السنَّة رآه ينكر قول الطائفتين المنحرفتين عن الوسط، فينكر قول المعتزلة المكذِّبين بالقدر، وقول الجهميَّة المنكرين للحِكَم والأسباب والرحمة، فلا يرضون لأنفسهم بقول القدريَّة المجوسيَّة، ولا بقول القدريَّة الجبريَّة نفاة الحكمة والرحمة والتعليل» (٢).


(١) تقدم تخريجه (٤٨).
(٢) إعلام الموقعين (١/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>