للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موطنٍ آخر: «والقول الثالث: إن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعدل وضع كلِّ شيءٍ في موضعه. وهو سبحانه حَكَمٌ عدلٌ يضع الأشياء مواضعها، ولا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل، ولا يفرِّق بين متماثلين، ولا يسوِّي بين مختلفين، ولا يعاقب إلا مَنْ يستحقُّ العقوبة، فيضعها موضعها؛ لما في ذلك من الحكمة والعدل.

وأما أهل البرِّ والتقوى فلا يعاقبهم البتَّة، قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم: ٣٥]، وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الجاثية: ٢١] الآية» (١).

القول الثاني: (قول الجبريَّة من الجهميَّة والأشاعرة ومَن وافقهم من الظاهريَّة).

قالوا: الظلم هو التصرُّف في ملك الغير بغير إذنه، أو مخالفة الآمر الذي تجب طاعته. وكلاهما منتفٍ في حقِّ الله تعالى (٢).

وقالوا: إن الظلم ممتنعٌ عليه، وهو مستحيلٌ في حقِّه سبحانه، كالجمع بين النقيضين، وليس هو داخلًا في اختياره ومشيئته.

ويقولون: كلُّ ما يمكن فهو عدلٌ غير ظلمٍ، ولو عذَّب المطيعين ونعَّم العصاة لم يكن ظالمًا؛ لأن الظلم التصرُّف فيما ليس له، والله تعالى له كلُّ شيءٍ، أو هو مخالفة الأمر، والله لا آمر له (٣).

قال الإسفرايينيُّ: «ولهذا قلنا: إن شيئًا من أفعاله لا يكون ظلمًا، وأنه


(١) جامع الرسائل (١/ ١٢٣) (١/ ١٢٤)، وانظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٤٣ - ١٤١).
(٢) جامع الرسائل (١/ ١٢٧)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ١٠٥).
(٣) انظر: منهاج السنة (١/ ١٣٥)، جامع الرسائل (١/ ١٢٧)

<<  <   >  >>