للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصنعتَه»، وفي بعض الروايات: «إن الله يصنع كلَّ صانعٍ وصنعتَه» (١)؛ فدلَّ الحديث على أن الله تعالى خالقٌ للأعمال مع الذوات.

قال البخاريُّ عقبه: «فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقةٌ» (٢).

القول الثالث: قول الجبريَّة، وبه قالت الجهميَّة.

قالوا: إن العبد لا قدرة له على عمله، ولا إرادة ولا اختيار له فيه، وأن العباد مجبورون على أفعالهم، وحركاتُهم فيها كحركة الأشجار عند مهبِّ الريح، وكحركة المرتعش، وكنبض العروق، وأنهم مجبورون على الطاعة والمعصية، وإنما تُنسَب أفعالهم إليهم على سبيل المجاز، وهو على حسب ما يُضاف الشيء إلى محلِّه، دون ما يُضاف إلى محصِّله، بِمَنْزلة قول القائل: مات، وكبِر، وسال الوادي، وطلعت الشمس (٣).

أدلَّتهم:

استدلَّ الجبريَّة لقولهم ببعض الأدلَّة، زعموا دلالتها على قولهم، منها:

[١] قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]، قالوا: نفى الله عن نبيِّه الرمي، وأثبته لنفسه؛ فدلَّ على أنه لا صنع للعبد.

[٢] قوله من حديث أبي هريرة : «لا يَدْخلُ أحدٌ منكم الجنةَ بعَمَلِهِ»، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله منه برحمةٍ وفضلٍ» (٤).


(١) تقدّم تخريجه (ص: ٥٨).
(٢) خلق أفعال العباد (ص: ٢٤).
(٣) انظر: الفرق بين الفرق (ص: ٢١١)، وشفاء العليل (١/ ١٩٨)، وشرح الطحاوية (ص: ٦٣٩).
(٤) أخرجه بهذا اللّفظ: أحمد (١٢/ ٤٤٩) ح (٧٤٧٩)، وأخرجه البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦).

<<  <   >  >>