للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصفًا، وإنما يدخل في مفعولاته، وفرقٌ بين الفعل والمفعول، فالشرُّ قائمٌ بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو فعله، فتأمَّل هذا؛ فإنه خفي على كثيرٍ من المتكلِّمين، وزلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، وهدى الله أهل الحقِّ لما اختلفوا فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ» (١).

القول الثاني: (قول القدريَّة).

قالوا: لا يجوز أن يُقال: إن الله سبحانه مريدٌ للشرِّ أو فاعلٌ له؛ لأن مريد الشرِّ وفاعله شرِّيرٌ، هذا هو المعروف لغةً وعقلًا وشرعًا، والله متنزِّهٌ عن هذا؛ فإن أسماءه كلّها حسنى، وأفعاله كلّها خيرٌ، وقد قام الدليل على أن فعله سبحانه عين مفعوله، والشرُّ ليس بفعلٍ له، فلا يكون مفعولًا له، فيستحيل أن يريد الشرَّ، فالشرُّ ليس بإرادته ولا بفعله (٢).

القول الثالث: (قول الجبريَّة).

قالوا: الربُّ سبحانه يريد الشرَّ ويفعله؛ لأن الشرَّ موجودٌ، فلا بدَّ له من خالقٍ، ولا خالق إلا الله. وهو سبحانه إنما يخلق بإرادته، فكلُّ مخلوقٍ فهو مرادٌ له، وهو فعله. ووافقوا القدريَّة على أن الفعل عين المفعول والخلق نفس المخلوق، ثم قالوا: والشرُّ مخلوقٌ له ومفعولٌ، فهو فعله وخلقه وواقعٌ بإرادته. قالوا: وإنما لم يُطلَق القول أنه يريد الشرَّ ويفعل الشرَّ أدبًا لفظيًّا فقط، كما لا يُطلَق القول بأنه ربُّ الكلاب والخنازير، ويُطلَق القول بأنه ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقه (٣).


(١) بدائع الفوائد (١/ ١٦٣).
(٢) انظر: شفاء العليل (٢/ ٧٣٥)، ومجموع الفتاوى (١٤/ ٢٦٧).
(٣) انظر: شفاء العليل (٢/ ٧٣٥)، ومجموع الفتاوى (١٤/ ٢٦٧).

<<  <   >  >>