للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: لا يجوز أن يُعتقَد أن الشيء سببٌ إلا بعلمٍ. فمن أثبت سببًا بلا علمٍ أو بخلاف الشرع كان مبطلًا، كمن يظنُّ أن النذر سببٌ في رفع البلاء.

الثالث: أن الأعمال الدينيَّة لا يجوز أن يُتَّخذ شيءٌ منها سببًا للدنيا إلا أن تكون مشروعةً؛ فإن العبادة مبناها على الإذن من الشارع، فلا يجوز أن يُشرِك بالله فيدعو غيره، وإن ظنَّ أن ذلك سببٌ في حصول بعض أغراضه، وكذلك لا يعبد الله بالبدع، وإن ظنَّ في ذلك ثوابًا» (١).

القول الثاني: (قول الجهميَّة والأشاعرة وطائفةٍ من الفقهاء والصوفيَّة).

أنكروا الأسباب، وزعموا أنه ليس للأسباب تأثيرٌ على المسبَّبات، وبالغوا في ذلك حتى أنكروا الأسباب المحسوسة، فقالوا: ليس للنار أثرٌ في الإحراق، ولا للخبز أثرٌ في الإشباع، ولا للماء أثرٌ في الرِّيِّ. وقالوا: إن الله يفعل عندها لا بها؛ فيقولون: إن الله لا يُحرِق بالنار، وإنما يخلق الإحراق عند اشتعال النار، ولا يُشبِع بالخبز، وإنما يخلق الإشباع عند أكل الخبز، ولا يُروِي بالماء، وإنما يخلق الرِّيَّ عند شرب الماء (٢).

وهؤلاء كما أنكروا الأسباب الكونيَّة؛ فقد أنكروا أيضًا الأسباب الشرعيَّة التي جعلها الله سببًا للثواب والعقاب.

وهذا بناءً على أصلهم في إنكار (الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه)، وأن الله تعالى (لا يفعل لحكمةٍ)، فلا يخلق شيئًا لشيءٍ، و (لا يخلق بسببٍ)، فلا يُوجِد شيئًا بشيءٍ (٣).


(١) مختصر الفتاوى المصرية (ص: ٢٦٨ - ٢٦٩)، والمستدرك على مجموع الفتاوى (١/ ١٤٠).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٩/ ٢٨٧)، جامع الرسائل (١/ ٨٧)، شفاء العليل (٢/ ٤٥٩)، (٢/ ٥٧٤).
(٣) انظر مجموع الفتاوى (٤/ ١٩٢)، شفاء العليل (٢/ ٥٣٤).

<<  <   >  >>