المبحث الخامس معتقد أهل السنة في تنزُّه الله عن الظلم، وأقوال المخالفين في ذلك، والرد عليهم
دلَّت الأدلَّة على تنزُّه الله عن الظلم، وأنه لا يقع منه؛ فقد نفاه الله عن نفسه، وحرَّمه على نفسه؛ فلا يظلم العباد مثقال ذرَّةٍ. يقول سبحانه: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩]، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: ٤٤]، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠]، ويقول تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٨]. والآيات في هذا كثيرةٌ، وهي ظاهرة الدلالة على أن الله لا يظلم أحدًا من الخلق شيئًا، ولا يقع منه الظلم ولو كان مثقال ذرَّةٍ، ولا يريد ذلك، بل يضاعف الحسنات فضلًا، ويجازي على السيِّئات بمثلها عدلًا.
وفي الحديث القدسيِّ يقول تعالى:«يا عبادي، إني حرَّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا»(١). فأخبر ﵎ أنه حرَّم الظلم على نفسه وعلى عباده ونهاهم عنه، فالظلم لا يقع منه سبحانه لا في أمره الكونيِّ ولا الشرعيِّ، وأما العباد فهو لم يرده منهم شرعًا، بل حرَّمه عليهم، ولكن يقدِّره كونًا مع بغضه له كسائر الذنوب.
وتنزُّه الله عن الظلم مجمَعٌ عليه بين المسلمين؛ لما تقدَّم من الأدلَّة، ولم ينازع في هذا أحدٌ من أهل القبلة.