للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقدور للبشر: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]» (١).

الطائفة الثانية: (الجبريَّة).

قالوا: إن الله أكره العباد وأجبرهم على أعمالهم، فليس لهم فعلٌ، ولا إرادةٌ، ولا اختيارٌ، ولا كسبٌ ألبتَّة، وحال بينهم وبين الهدى ابتداءً من غير ذنبٍ ولا سببٍ من العبد يقتضي ذلك، فلم يُيَسِّر إليه سبيلًا ولا أعطاه عليه قدرةً، ولا مكَّنه منه بوجهٍ. وزاد بعضهم: بل أحبَّ له الضلال والكفر والمعاصي ورضيه منه (٢).

الرد عليهم:

وقولهم هذا مركَّب من ضلالتين:

أُولاهما: (دعوى الجبر -أي: أن الله جبر العباد على أعمالهم-)، وقد تقدَّم الردُّ عليهم في ذلك في مبحث أفعال العباد بما ظهر به الحقُّ وبطلان دعواهم.

والثانية: دعواهم أن الله حال بينهم وبين الهداية، وهذا كذبٌ على الله وافتراءٌ عظيمٌ مخالفٌ لما دلَّت عليه النصوص، وقد تقدَّم في النصوص أن الله هدى كلَّ من خاطبهم بالشرع هداية الإرشاد بإرسال الرسل، فقامت عليهم بذلك الحجَّة الرساليَّة، وأما هداية التوفيق فهي فضلٌ من الله كما تقدم، والله يهدي من بذل الأسباب في تحصيلها، كما قال تعالى في الحديث القدسيِّ: «يا عبادي، كلُّكم ضالٌّ إلا مَنْ هديته، فاستهدونِي أهدكم … » الحديث (٣).

وقد هدى الله هذه الهداية من علم الله أنه أهلٌ لها وبذل الأسباب في تحقيقها. وأما من لم يبذل الأسباب في طلبها ويسع في تحقيقها؛ فقد يُعاقَب


(١) المصدر نفسه (١/ ٢٧١).
(٢) انظر: شفاء العليل (١/ ٢٧٧).
(٣) أخرجه مسلم (٢٥٧٧).

<<  <   >  >>