للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مبنيٌّ على مذهبهم في أن القدرة تكون قبل الفعل فقط، حتى يتحقَّق التكليف. قالوا: وتكليف الزَّمِن بالمشي تكليفٌ بما يعجز عنه، فهو عبثٌ يتنزَّه الله عنه. قالوا: ومثله تكليف الكافر بالإيمان؛ لأن الإيمان إنما يُفعَل بقدرةٍ، وليس للكافر قدرةٌ على الإيمان، فتكليفه به كتكليف الزَّمِن بالمشي قبحٌ يتنزَّه الله عنه.

قال القاضي عبد الجبار: «كلُّ عاقلٍ يعلم بكمال عقله قبح تكليف الزَّمِن بالمشي، وتكليف الأعمى بنقط المصحف على وجه الصواب، والدافع له مكابرٌ جاحدٌ للضروريَّات» (١).

وقال أيضًا: «ومما يبيِّن لك أن تكليف الكافر بالإيمان كتكليف العاجز في القبح: هو أنهما اشتركا في تعذُّر الإيمان عليهما … يبيِّن ذلك أن الإيمان إنما يُفعَل بالقدرة، وليس في الكافر قدرةٌ على الإيمان كما في العاجز، فوجب استواؤهما في قبح التكليف» (٢).

[القول الرابع: (قول الأشاعرة).]

قالوا: إن التكليف بما لا يُطاق جائزٌ. وهذا بناءً على قولهم: إن العبد

لا يكون قادرًا إلا حين الفعل، وإن القدرة لا تكون إلا مع الفعل. فعلى هذا كلُّ مكلَّفٍ حين التكليف قد كُلِّف بما لا يطيقه حينئذٍ، وإن كان قد يطيقه حين الفعل بقدرةٍ يخلقها الله له وقت الفعل (٣).


(١) شرح الأصول الخمسة (ص ٣٨٩).
(٢) المصدر نفسه (ص ٣٩٢).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٧٠)، وشرح الطحاوية (ص: ٤٤٥).

<<  <   >  >>