للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث بيان أن الإيمان بالقدر لا يسوِّغ الاتِّكال وترك العمل، وأقوال المخالفين في ذلك، والرد عليهم

مدار هذا الدين على الإيمان بالقدر، والعمل بالشرع. لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر، ولا يستقيم الإيمان إلا بتحقيقهما جميعًا؛ ولذا قال ابن عبَّاسٍ : «القدر نظام التوحيد؛ فَمَنْ وحَّد الله وآمن بالقدر تَمَّ توحيده، ومَن وحَّد الله وكذَّب بالقدر نقض توحيده» (١).

وقد دلَّت الأدلَّة على ذلك؛ فقد سُئل النبيُّ في أكثر من مناسبةٍ عن الاتِّكال على القدر وترك العمل، فأمر بالعمل مع الإيمان بالقدر.

روى الشيخان من حديث عليٍّ ، قال: كان رسول الله ذات يومٍ جالسًا وفي يده عودٌ ينكت به، فرفع رأسه، فقال: «ما منكم من نفسٍ إلا وقد عُلِمَ مَنْزلها من الجنَّة والنار»، قالوا: يا رسول الله! أفلا نتَّكل؟ قال: «لا، اعملوا؛ فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِق له»، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، إلى قوله: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ (٢).

وفي الصحيحين أيضًا عن عمران بن حُصينٍ ، قال: قال رجلٌ:

يا رسول الله! أيُعرَف أهل الجنَّة من أهل النار؟ قال: «نعم»، قال: فَلِمَ يعمل العاملون؟ قال: «كلٌّ يعمل لِمَا خُلِقَ له، أو: لِمَا ييسَّر له» (٣).


(١) تقدم تخريجه ص (٦). وذكره بهذا اللفظ شيخ الإسلام ابن تيمية. مجموع الفتاوى (٨/ ٢٥٨)، وابن القيم في مدارج السالكين (١/ ١٠٢).
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٠٥)، ومسلم (٢٦٤٧) واللّفظ له.
(٣) أخرجه البخاري (٦٥٩٦)، ومسلم (٢٦٤٩).

<<  <   >  >>